الوصايا في كتاب الأصمعي، تاريخ ملوك العرب الأوّليّة من بني هود
الملخص
يندرج كتاب الأصمعي[1] "تاريخ ملوك العرب الأوّليّة من بني هود"[2] في إطار كتب الآداب السّلطانيّة[3] التي أفرزتها الحضارة العربيّة الإسلاميّة. ويتضمّن هذا الصّنف تراثا سياسيّا يرتكز على خصال أخلاقيّة تكون في شكل مواعظ ونصائح موجّهة إلى السّلطان لكي ينهل منها حتّى يُحسن تدبير أمور الحُكم وحتّى يُحافظ على مُلكه. كما ينبثق عن هذا الصّنف ما يُعرف بـأدب النّصيحة، وذلك عندما تتعهّد به أطراف محيطة بالسّلطان كالفقهاء والمُتصوّفة الذين تنطلق نصائحهم من مواعظ دينيّة، وكالأدباء والفلاسفة الذين تنبني نصائحهم على طرائف وأقوال مأثورة[4]. وتتّخذ هذه المواعظ والنّصائح شكل وصايا داخل سلالة حاكمة ما عندما يمرّرها رأس السّلطة إلى وليّ عهده ويدعوه فيها إلى التّحلّي برفعة الأخلاق، وحُسن تدبير شؤون السُّلالة الحاكمة، وإحكام إدارة أحوال الرّعيّة[5]. كما يُمكن أن تشمل هذه الوصايا كامل أبناء السّلطان وقرابته لينأوا عن كلّ ما يُمكن أن يُهدّدُ ملكهم من تنازع بينهم وتباغض وحسد.
يندرج كتاب الأصمعي "تاريخ ملوك العرب الأوّليّة من بني هود" في صنف أدب الوصايا، وقد انطلقنا في هذه الدّراسة من عدّة إشكاليّات تتعلّق بنشر هذا المصدر وبأسانيده ومصادر رواياته، كما تناولنا من خلالها كلّ ما له صلة بالحِبكة والإتقان اللّذين تميّز بهما الأصمعي في تنظيم الوصايا، وكذلك بفحوى مضامين هذه الوصايا التي اصطنعت تاريخا مثاليّا هدفه تقديم مرجعيّة جديدة في إدارة شؤون الحُكم نَسَبَتها إلى ملوك اليمن من أبناء قحطان، والذين يمثّلون حسب هذا المصدر العرب الأوّليّة. كلّ هذا دون أيّة إشارة إلى الإرث السّياسي الفارسي ودون أيّة إحالة على الحِكمة عند الإغريق.
[1] هو عبد الملك بن قُريب بن عبد الملك أبو سعيد الأصمعي، عاش بين123 و 216 أو 217هـ هـ / 741-831 أو 832م. حول ترجمته أنظر مثلا: . ابن النّديم، الفهرست، تحقيق إبراهيم رمضان، دار المعرفة، بيروت، 1417هـ/ 1997م، ص78-79، ابن خلّكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزّمان، تحقيق إحسان عبّاس، دار صادر، 1398هـ/ 1978م، ج3، ص170-176، الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، تحقيق بشّار عوّاد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1422هـ/ 2002م، ج12، ص157-168، الجباعي (ناصر توفيق)، الأصمعي ناقد الشّعر، أبو ظبي، 2009، ص13-31.
[2] هذا المصدر متوفّر بصيغة "PDF" تحت عنوان: تاريخ العرب قبل الإسلام، تحقيق محمّد آل ياسين، مطبعة المعارف، بغداد، 1379هـ/ 1959م. وسنبيّن في هذا المقال أنّ العنوان الصّحيح هو تاريخ ملوك العرب الأوّليّة من بني هود.
[3] المصادر والمراجع التي تناولت الآداب السّلطانيّة أو آداب الملوك كثيرة، أنظر مثلا: الجاحظ، التّاج في أخلاق الملوك، تحقيق زكي باشا، المطبعة الأميريّة، القاهرة، 1332هـ/ 1914م، ابن مسكويه، الحكمة الخالدة، تحقيق عبد الرّحمان بدوي، القاهرة، 1952، الثّعالبي، آداب الملوك، تحقيق عبد الحميد حمدان، القاهرة، 2007، ابن الطقطقي، الفخري في الآداب السّلطانيّة والدّول الإسلاميّة، تحقيق عبد القادر محمّد مايو، دار القلم العربي، بيروت، 1418 هـ/ 1997م، (الفصل الأوّل: في الأمور السّلطانيّة والسّياسات الملكيّة، ص23-78)، ابن قتيبة الدّينوري، عيون الأخبار، تحقيق منذر محمد سعيد أبو شعر، المكتب الإسلامي، بيروت، 1429هـ/ 2008م، (باب كتاب السّلطان، ج1، ص15-165) ، ابن عبد ربّه، العقد الفريد، تحقيق محمّد مفيد قميحة، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1404هـ، (باب كتاب اللّؤلؤة في السّلطان، ج1، ص9-84، وكتاب المرجانة في مخاطبة الملوك، ج2، ص3-75)، العلاّم (عزّ الدّين)، الآداب السّلطانيّة، دراسة في بنية وثوابت الخطاب السّياسي، عالم المعرفة، الكويت، 2006، نفس الكاتب، النّصيحة السياسيّة. دراسة مقارنة بين أدب الملوك الإسلاميّة ومرايا الأمراء المسيحيّة، نشر، مؤمنون بلا حدود، المغرب، 2017، بوتشيش (إبراهيم عبد القادري)، خطاب العدالة في كتب الآداب السّلطانيّة، بيروت، 2014.
[4] AIGLE (DENISE), "La conception du pouvoir en islam. Miroirs des princes persans et théories sunnites (XIe-XIVe siècles)",in Perspectives médiévales, vol. 31, 2007, pp. 17-44.
[5] Loc.cit., p19.