الملخص
قد يبدو لبعضهم أنّ الحديث عن تاريخ عقائد التونسيين غير ذي فائدة في هذه المرحلة باعتبار التجانس العرقي والدّيني والمذهبي الذي تحقّق منذ قرون، أو أنّ ضرّ الخوض في هذه التفاصيل أكثر من نفعه. ولكنّنا لا نرى الأمر كذلك، ونعتقد أنّ فهم ما نحتاج إليه من هذا التاريخ مفيد في تمثّل الحاضر وفي كيفيّة التعامل معه. ونشترط في إعادة الفهم أن تستند إلى تنويع المداخل وتجاوز النظرة الوثوقيّة (Dogmatisme) للنصوص وتخطّي عدم القدرة على المراجعة متى أوجب العقل والمنهج ذلك. ومن المهمّ أيضا الوعي بطبيعة العلاقة بين الحقيقة والتاريخ في سياق الوعي بالمسافة الفاصلة بين الخبر والخطاب أو بين الحدث التاريخي والتأريخ له، والانتباه إلى موقع المؤرّخ ودوره في عمليّة التحوّل. ومن هذه المنطلقات اخترنا المساهمة في فهم الحالة الشّيعيّة من خلال البحث في ظهور التّشيّع في القيروان الذي تحوّل من هامش المدينة إلى مركزها السياسي رقادة. والقيروان هي عاصمة المغرب الإسلامي بمرحلتيه "السنيّة" والشّيعيّة. والمقصود بالتّشيّع في هذا السياق هو الولاء للعلويين بالمعنى الروحي والاعتقاد في أحقيتهم بقيادة المسلمين بالمعنى الزمني. ونظرا إلى عدم ظهور مصطلح "المذهب السنّي" أو "الإسلام السنّي" في المرحلة المدروسة من تاريخ الفكر الإسلامي، اقترحنا مصطلح "الإسلام الرسمي" للإشارة إلى الأنظمة الموالية لمركز الدولة الإسلاميّة في الشام وبغداد بقيادة الأمويين والعباسيين والسُّلط الممثلة لهما في شمال إفريقيا.