الملخص
لم تنل المراحيض العمومية في المراكز الحضرية الرومانية بشمال أفريقيا نفس الاهتمام الذي نالته مرافق عمومية أخرى، مثل الحمامات والمسارح والمعابد على سبيل المثال. فقد طالها التهميش على المستوى الإسطوغرافي والأركيولوجي، ولم تُخصص لها في الغالب إلا مساحات ضئيلة مما خطّه الباحثون في وصف بقية المعالم الأثرية. لكنها استفادت مؤخرًا من التجديدات التي همّت كلا من العلوم الإنسانية والاجتماعية، لتتبوأ بذلك سلسلة من الأعمال الأكاديمية الفردية والجماعية، والتي كشفت عن خصوصياتها ومورفولوجيتها ووظائفها المجتمعية المتنوعة [مثل حفظ الصّحة وضمان نظافة المُدن]. ومن بين القضايا التي أثارت النقاش داخل الدوائر العلمية، مسألة التزود بالماء وصرفه بعد استعماله. فقد استهلكت هذه المنشآت كميات لا بأس بها من المياه بُغية التخلص من الفضلات الصلبة والسائلة، وتنظيف الأرضيات من الأوساخ، وغسل مُستعمِلِيها أيديهم وأعضاءهم بعد التبول أو الاستفراغ. لهذا السبب، تم تشييد عدد كبير منها بجوار الحمامات العمومية أو داخلها، بُغية الاستفادة من المياه الفاضلة عن أحواض الحمام العمومي ومسابحه أو المياه التي تم التخلص منها لاستبدالها بمياه جديدة، دون الحاجة إلى ربطها بالشبكة العمومية لتوزيع الماء. لكن هذا لم يَحُل دون وجود مراحيض مُستقلة عن فضاءات الاستحمام العمومية، توفرت بدورها على مواردها المائية الخاصة لضمان اشتغالها بشكل عادي ومُنتظم.