Résumé
يهتمّ هذا المقال بالبحث في العقوبات الأميريّة بإفريقيّة في العصر الوسيط باعتبارها تكشف عن جانب مهمّ من جوانب الممارسة السّياسيّة للحكّام وعلاقتهم برعاياهم وخصومهم على حدّ سواء. إذ نتج عن الاستبداد الذي ساد خلال فترة العصر الوسيط اتخاذ الأمراء والخلفاء الحقّ في استصدار الأحكام وتسليط العقوبة لقهر المعارضين من مختلف الشّرائح الاجتماعيّة مخالفين في كثير من الأحيان النّصوص التّشريعيّة الإسلاميّة، رغم اعتمادهم أحيانا على مبرّرات دينيّة وسياسيّة.
وقد أمدّنا كتاب ابن عذاري البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب بأخبار تتعلّق بأصناف العقوبات كالقتل والجلد والرجم وتقطيع الأوصال... جاء ذكرها في إطار الترجمة للحكام والأمراء وقواد الجيش وكأنها جزء مكمّل لمناقبهم وسيرهم والحال أنها عنف يمارسه الحاكم على "المذنب" دون الرجوع إلى مؤسّسة القضاء التي يفترض أن تفصل في الخصومات، لتصبح العدالة على مرتبتين "عدالة الحاكم" و"عدالة القاضي.
وتقدِّم مشاهد التّعذيب وأنواع العقاب في كتاب البيان رؤية لواقع السّلطة في الحضارة العربيّة الإسلاميّة وانحرافاتها الأخلاقيّة إذ غالبا ما كان إصدار الحكم يتسم بالانفعالية فالعقوبة كانت دوافعها مختلفة منها شهوة السلطة والاستئثار بالحكم ومنها العصبية القبليّة ومنها التعصب للمذهب... . وكان الجسد في إطار العقوبات السّلطانية أداة للتّشفّي والتفريغ النّفسيّ، وهو ما يجعل الممارسة السّياسيّة للخلفاء والأمراء معبِّرة عن انحرافات سلوكيّة بل هي تكشف أحيانا عن الشّذوذ في شخصيّة الحاكم حتى بدت بعض الصّور التي ينقلها ابن عذاري استعراضا لنفسيّة منحرفة منساقة وراء نزعاتها الدّمويّة السّاديّة.
وقد انبنى البحث في العقوبات الأميرية على ثلاث نقاط محورية هي:
كيف اكتسب صاحب السلطة حق إقرار العقوبة؟
ماهي الأسباب الدافعة لإقرار العقوبات؟
ماهي أصناف العقوبات التي ينقلها ابن عذاري في كتابه؟